الرئيسية » مقالات مكتوبة عن المكتبة »
 

المكتبة الخالدية في القدس.. صرح ثقافي يشهد على تاريخ وهوية المكان

تعتبر المكتبات العامة المنظمة الغنية بمحتوياتها، الدعائم الاساسية التي تبنى عليها صروح العلم والثقافة والحضارة والمعرفة، والينابيع التي تغذي تقدم الأمم العلمي والحضاري بماء الحياة والبقاء، ويقاس رقي أمّة من الأمم أو تأخرها بكثرة المكتبات وما تلقاه من عناية ورعاية أو ندرتها أو إهمالها واعتبارها شيئا له مكانة خاصة وأهمية، وبوجودها في حياة الامم تفتح آفاقًا فسيحة للشعوب لتنتج حضارتها وتنميها عبر العصور، وتكون فاتحة هائلة لتبصير الشعوب على حياة أكثر رقيا وانفتاحا، فالمخطوطات والمجلدات التي تملأ رفوفها تكون بمثابة ذاكرة الأمة المحفوظة وتراثها ونقله إلى الاجيال القادمة.

مع إشراقة شمس الحضارة الإسلامية العربية في فلسطين، ظهرت مكتبات يشهد لها التاريخ، ويسرنا في هذه المقالة أن نقدّم لكم واحدة من أبرز المكاتب العامة التاريخية في فلسطين، وهي المكتبة الخالدية، والتي تقع في قلب البلدة القديمة لمدينة القدس العربية، على مسافة مئة متر من المسجد الاقصى المبارك في الناحية الجنوبية من طريق باب السلسلة، وتطل على حائط البراق، هناك تقف تحفة عمرانية هندسية أثرية تعود للقرن الثالث عشر الميلادي، فحجارتها ومنذ ثمانية قرون تجسد خير شاهد على تاريخ المكان الذي احتضن حضارات تليدة ابتدأت بالحقبة الأموية، مرورا بالمملوكية فالعثمانية، وانتهاء بزمن الانتداب البريطاني. فالمبنى يدمج بين الأقواس المسودة والاقواس المتعرجة، التي تميز العمارة الصليبية والعمارة الأيوبية، وما زاد المبنى جمالا هو مشاركة الفن المعماري المملوكي والذي يعرف بالنموذج الابلق، وهو دمج حجارة حمراء وبيضاء في إطارات الابواب والشبابيك محاطة بأطر منحنية.

تأسست المكتبة الخالدية في العام 1899 على يد راغب الخالدي، وذلك عندما لاحظ أن الكتب والمخطوطات المهمة تتفرق بين بيوت العائلة، ويتم توارثها، فقرر جمعها تحت سقف واحد يحميها.  تحتوي المكتبة على ثلاثة عناصر مهمة داخلها، حيث تحتوي على أكثر من 2000 مخطوط غير متواجدة في العالم ككل، والمخطوطات فيها تمتد من القرن العاشر الميلادي وحتى نهاية الحقبة العثمانية 1917، بلغات متنوعة منها العربية واللغة التركية، واللغة العثمانية، واللغة الفارسية، والانجليزية، والألمانية، والفرنسية. تتوزع على ما مجموعه 1970 موضوعا دراسيا تتعلق بالفقه الإسلامي والطب والتاريخ والجغرافيا والفلك وتفسير القرآن والبلاغة والمنطق والشعر.

تعود أقدم مخطوطة في المكتبة للقرن العاشر الميلادي وعنوانها (إشارات الأسرار في الفقه الحنفي) لمؤلفها عبد الرحمن بن محمد بن أمير الكرماني ونسخت عام 1137 م بخط الناسخ محمد بن ابي سعيد بن موسى، وعدد أوراق المخطوطة 342 ورقة. وكتاب (كتاب منادح الممادح وروضة المآثر والمفاخر في خصائص الملك الناصر رحمه الله) وتضم سجلا لبطولات صلاح الدين الأيوبي وتاريخه المجيد ويعود هذا الكتاب إلى سنة 1201مـ.

ومثلها كمثل أي معلم عربي فلسطيني في مدينة القدس منذ نكسة 1967، فإنها تخوض مع حكومات المؤسسة الاسرائيلية صراع من بقاء على التاريخ والهوية والفكر، إذ بدأت عندما ادّعت المحاكم الاسرائيلية أنّ الارض المقامة عليها المكتبة، هي من أملاك الغائبين، وحينما تم عرض الوثائق والحجج المطلوبة لم تتمكن المؤسسة الاسرائيلية من وضع يدها على المكان.

إجمالًا، يمكن التلخيص أن هذا الصرح الثقافي التربوي والذي يقف شامخا واثقا ثابتًا في مدينة القدس حيث حجارته تحاكي وتكتب وتوثق تاريخ المكان والسكان.

قلم : يوسف كنانة

المصدر: موطني 48